حياٌة أدبًا "الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع" مِن حُبّ وحُرِّيَّة-ناجي نعمان (لبنان)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
حياة أدبا

حياٌة أدبًا
"الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع"
مِن حُبّ وحُرِّيَّة

  ناجي نعمان    

جيمي مواطِنٌ أَمِريكيٌّ يَفْخَرُ ببلاده إذْ هي حامِلَةُ مِشعَل الحُرِّيَّة ورافِعَةُ الظُّلم عن كاهِل كلِّ ضَعيف؛ كما يَفْخَرُ بأُسرَته، فهي أَعْطَتْ شُهداءَ سَعَوْا للحُرِّيَّة، وعُلماءَ خَدَموا الإنسانيَّة. وجيمي فَخورٌ بنَفْسه أيضًا، فالمصانعُ والمؤسَّساتُ الَّتي أَنْشَأَ ووَسَّعَ إنَّما تَدُلُّ على وطنيَّته، وهي تُعيلُ ألوفَ العمَّال مع أُسَرهم، وإنتاجُها ذو جُودةٍ دوليَّة أَتاحَ لها اكتِساحَ مُعظم الأسواق العالَميَّة، فيما يَسْعى جيمي، بوسائله الخاصَّة، للوصول إلى ما تَبَقَّى من هذه الأسواق. نَسِينا أنْ نَذْكُرَ أنَّ جيمي مُتَزَوِّجٌ وله وَلدان: صَبيٌّ وبِنت، يَعْشَقُهما ويَأْتي المُستحيلَ في سبيل سعادتهما وتأمين مُستقبلهما. كما نَسِينا أنْ نَذْكُرَ أيضًا أنَّ جيمي يُصَنِّعُ البارودَ... والنَّار!

وأمَّا لِيونيد فمواطنٌ سوفييتيٌّ عاديٌّ ناهَزَ الخامسةَ والخمسينَ من عُمره. عَمَلُه جِدُّ بَسيط، حياتُه أكثرُ من رَتيبَة، ومع هذا فهو يَفْخَرُ بالشُّهداء الَّذين قَدَّمَتْهم أُسرَتُه منذُ اندِلاع الثَّورة البُلْشِفيَّة حتَّى الحرب العالَميَّة الثَّانية. غيرَ أنَّ الحَياةَ ضاقَتْ بلِيونيد في الآوِنَة الأخيرة، فهو ما زالَ يَعْمَلُ في مصنع قذائفِ المِدفَعيَّةِ منذُ إنشائِه في مُسْكو، رافَقَه إلى جبال الأورال في عَهد سْتالِنَ، وعادَ معه إلى ضواحي مُسْكو لمَّا وَضَعَتِ الحربُ أوزارَها.

غالِبًا ما يَشْعُرُ لِيونيد بالحَسْرَة فيَوَدُّ الانطلاقَ كالعُصفور نحوَ آفاقٍ جديدة، يَوَدُّ التَّعَرُّفَ إلى العالَم الواسع. لقد تَعِبَ كفايةً لتأمين سَعادة المجموعة من دون أنْ يُحِسَّ يومًا بهذه السَّعادة ولَو من حَوالَيه. أَوَيَكونُ المسؤولون عن التَّوجيه في المصنع على خطإٍ في ما به يُبَشِّرون؟ لَم يَعُدْ هذا الأمر، في جميع الأحوال، لِيَهُمَّ لِيونيد وقد انْتَهَتْ حياتُه الفِعليَّة؛ غيرَ أنَّه يَخافُ على مستقبَل أولاده من شَغَفهم بالحُرِّيَّة.

***
عِمادٌ مُقاتلٌ وطنيّ، اِضْطرَّتْهُ أحداثُ بلاده إلى حَمل السِّلاح، فحَمَلَه، وقد غَدا، اليومَ، هدَّافًا بارزًا، بَيْدَ أنَّه يَوَدُّ الخُروجَ من دوَّامَته الرَّهيبة، والعودةَ إلى الحَياة الطَّبيعيَّة. ولطالَما حَلَمَ عِمادٌ بالسَّلام يَعودُ إلى بلاده.

وأمَّا نِضالٌ فَعسكريٌّ يُؤمِنُ بالقَوميَّة، ويَعْمَلُ لأجلها. أَحَبَّ منذُ صِغره لَو أنَّ مَجدَ بَني قَومه يَعود، فخَذَلَهُ بَنو قَومه. هو، اليومَ، خارجَ بلاده يُحارِبُ في سلاح المِدفعيَّة للحِفاظ على السَّلام. ونِضالٌ، أيضًا، يَحْلُم: يَحْلُمُ بالسَّلام يَعودُ إلى وطنه الكبير حتَّى يَتَسَنَّى له الإسهامُ في عُمرانه وتَقدُّمه.

***
حُبٌّ وحُرِّيَّةٌ كانا - لساعاتٍ مَضَتْ - رَفيقَي طُفولة. بَيْدَ أنَّ مدينةَ القَدَر، والإنسانَ الأعمى، خَطَفا "حُرِّيَّةَ" من يد "حُبٍّ" في لَحظة كُفْرٍ وإجرام، خَطَفاها إلى غَير رَجْعَة.

حُبٌّ، اليومَ، طِفلٌ يَبْحَثُ عن الحقيقة، عن العِلَّة والسَّبَب. قالوا له: لا تُتْعِبْ نَفْسَك، إنَّهُ القَدَر؛ فأَجابَهم: بَل هو الإنسان!

***
نَضيعُ - في الدَّائِرة، من الإنسان إلى الأنسَنَة - بينَ الوطنيَّة والقَوميَّة والشُّموليَّة، ونَنْسى أنَّ الأنسَنَةَ إنَّما مَنبَعُها الإنسانُ، وأنْ لا سَبيلَ للوصول إلى الأنسَنَة من دون المرور الفِعلِيِّ بجميع المراحِل المذكورة.



  من "الرَّسائل" - الرِّسالة العاشرة
©الحقوق محفوظة - دار نعمان للثقافة
  ناجي نعمان (لبنان) (2009-09-30)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حياٌة أدبًا

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia